مقدمة: البحث عن الإجابة الصحيحة
“ماذا يقال في السعي؟” – هذا ليس مجرد سؤال عابر، بل هو استفسار يتردد في قلب وعقل كل حاج ومعتمر يطأ بقدميه المسعى الطاهر. في خضم رحلة السعي الروحانية بين الصفا والمروة، يرغب المسلم أن يلهج لسانه بأفضل الكلمات وأحبها إلى الله، وأن تكون عبادته موافقة لهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن الإجابة على هذا السؤال هي مفتاح تحويل السعي من مجرد حركة جسدية إلى عبادة قلبية وقولية متكاملة. ولأن الساحة مليئة بالكتيبات والمعلومات المتداولة، يصبح من الضروري تمييز الحقيقة وتقديم ادعية السعي بين الصفا والمروة الثابتة والمأثورة، وفصلها عما لا أصل له.
في هذا الدليل المفصل، سنقدم إجابة شافية وموثقة. سنستعرض دعاء السعي الثابت الذي ورد في أصح الكتب، ونوضح ما هي أدعية مأثورة للعمرة والحج يمكن للمسلم أن يقولها في هذا الموطن العظيم. هدفنا هو أن نعبد الله على بصيرة، وأن نستثمر كل خطوة في المسعى في ذكر ودعاء مشروع، لنخرج من هذه الشعيرة بأعظم الأجور وأوفاها، وقد أجبنا بثقة ويقين على سؤال: ماذا يقال في السعي؟
محتويات المقال:
الأصل الأول: الذكر الثابت عند الصفا والمروة
إن أهم وأثبت ما يقال في السعي هو الذكر النبوي الذي كان يردده النبي ﷺ عند بداية السعي على الصفا، وفي كل مرة يصل فيها إلى الصفا أو المروة. هذا هو حجر الزاوية في ادعية السعي بين الصفا والمروة. وقد ورد هذا الذكر مفصلاً في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة حجة النبي ﷺ (رواه مسلم).
الخطوات العملية للذكر الثابت:
- عند الصفا (بداية الشوط الأول): قبل الصعود، تقرأ الآية: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، ثم تقول: “أبدأ بما بدأ الله به”.
- استقبال القبلة ورفع اليدين: تصعد على الصفا (أو المروة)، تستقبل الكعبة، وترفع يديك كهيئة الداعي.
- التكبير والتوحيد: تبدأ بالذكر الأعظم، وهو دعاء السعي الثابت الذي لا ينبغي تركه:
- “اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ”.
- ثم تقول: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ”.
- الدعاء بين الأذكار: السنة الكاملة هي أن تقول هذا الذكر، ثم تدعو بما شئت، ثم تكرر الذكر، ثم تدعو مرة أخرى، ثم تكرر الذكر للمرة الثالثة، وبعدها تنطلق في شوطك. (المجموع: 3 مرات ذكر، ومرتان دعاء).
هذا الذكر هو الإجابة الأولى والأكثر أهمية على سؤال “ماذا يقال في السعي؟”، لأنه ثابت وصحيح ومحدد بمكان وزمان معينين (فوق الصفا والمروة).
إقرأ أيضًا: ادعية السعي بين الصفا والمروة للحاج والمعتمر
الأصل الثاني: الدعاء المأثور أثناء الهرولة
بينما لم يثبت دعاء محدد يقال أثناء المشي العادي في السعي، ورد أثر صحيح عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه كان إذا سعى في بطن الوادي (المنطقة المحددة اليوم بالميلين الأخضرين)، كان يقول دعاءً بليغًا ومناسبًا للمقام. وهذا يعتبر من ضمن أدعية مأثورة للعمرة والحج التي يُستحب الاقتداء بها.
الدعاء المأثور:
“رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ”.
لماذا هذا الدعاء مهم؟
- فعل صحابي: الاقتداء بفعل الصحابة، خاصة المشهورين بالاتباع كابن عمر، هو من الخير.
- مناسب للمقام: الهرولة فيها مشقة وجهد، والدعاء بطلب المغفرة والرحمة هو أنسب ما يكون في حال بذل الجهد في طاعة الله.
- ثناء على الله: يختم الدعاء بالثناء على الله بأنه “الأعز الأكرم”، وهذا من آداب الدعاء العظيمة.
فمن قاله فقد أحسن، ومن دعا بغيره فلا حرج عليه، ولكن ترديد هذا الدعاء هو إحياء لأثر سلفنا الصالح.
الأصل الثالث: عموم الذكر والدعاء (المساحة المفتوحة)
وهنا نأتي إلى الإجابة الأوسع والأشمل على سؤال “ماذا يقال في السعي؟“. المساحة الأكبر من وقت السعي، وهي أثناء المشي بين الجبلين، لم يأت فيها ذكر أو دعاء محدد عن النبي ﷺ. وهذا ليس نقصًا، بل هو من تمام رحمة الله وتيسيره. لقد ترك لنا الشارع الحكيم هذه المساحة مفتوحة لنملأها بما يناسب حالنا وحاجتنا.
إذًا، ماذا تفعل في هذا الوقت الثمين؟
- الدعاء المطلق: هذا هو وقتك الذهبي لمناجاة ربك. ادعُ بكل ما في قلبك من حاجات الدنيا والآخرة. لا تتقيد بأدعية مسجوعة قد لا تفهمها. ادعية السعي بين الصفا والمروة الحقيقية هي تلك التي تخرج من قلب صادق ومتضرع. اطلب الهداية، الرزق، الشفاء، صلاح الأبناء، المغفرة للوالدين، والنصر للمسلمين.
- الذكر العام: اجعل لسانك لا يفتر عن ذكر الله.
- التسبيح: “سبحان الله”.
- التحميد: “الحمد لله”.
- التهليل: “لا إله إلا الله”.
- التكبير: “الله أكبر”.
- الحوقلة: “لا حول ولا قوة إلا بالله”.
- الاستغفار: “أستغفر الله”.
- قراءة القرآن: من أفضل ما يمكن أن تفعله هو أن تقرأ ما تحفظ من كتاب الله. كل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء في هذا المكان المبارك.
هذه المساحة المفتوحة هي جوهر الإجابة على ماذا يقال في السعي، فهي تتيح لكل فرد أن يعبد الله بلغته وحاجته الخاصة، مما يجعل العبادة أكثر صدقًا وتأثيرًا.
تحقيق علمي: هل هناك دعاء مخصص لكل شوط؟
هذا هو السؤال الذي يسبب الحيرة للكثيرين. تنتشر بين الحجاج والمعتمرين كتيبات وأوراق صغيرة، وأحيانًا تطبيقات جوال، تخصص لكل شوط من أشواط السعي السبعة دعاءً طويلاً ومختلفًا. فهل هذا الفعل له أصل في السنة؟
الإجابة القاطعة: لا، ليس له أصل.
لم يثبت في أي حديث صحيح أو حتى ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحدًا من صحابته الكرام، خصص الشوط الأول بدعاء، والثاني بآخر، وهكذا. هذا الفعل هو من الأمور المحدثة التي لا ينبغي للمسلم أن يتقيد بها لعدة أسباب:
- مخالفة الهدي النبوي: لو كان هذا خيرًا، لفعله النبي ﷺ، ولبينه لأمته، ولنقله لنا الصحابة الكرام. فلما لم يفعلوه، علمنا أن الخير في تركه.
- تقييد ما وسعه الله: الله سبحانه وتعالى ترك لنا مساحة الدعاء في السعي مفتوحة لنسأله حاجاتنا. وتخصيص دعاء لكل شوط هو تقييد لهذا الواسع، وحرمان للنفس من فرصة الدعاء بما هو أهم لها.
- فوات الخشوع: الانشغال بقراءة دعاء طويل من ورقة أو هاتف، قد لا يفهم القارئ معناه، يذهب بالخشوع وحضور القلب، ويحول العبادة إلى مجرد ترديد كلمات بلا روح. بينما الدعاء النابع من القلب هو أقرب للإجابة.
- التشويش على الآخرين: غالبًا ما تكون هذه الأدعية المخصصة مرتبطة بالدعاء الجماعي الصاخب، الذي يشوش على بقية الساعين ويؤذيهم، وهو خلاف السنة في إخفاء الذكر والدعاء.
لذلك، فإن أفضل ادعية السعي بين الصفا والمروة هي تلك التي تخرج من قلبك، بالإضافة إلى الذكر النبوي الثابت عند الصفا والمروة.
الجانب الروحي: كيف تحول الذكر والدعاء في السعي إلى تجربة مغيرة؟
إن معرفة ماذا يقال في السعي هي الخطوة الأولى، لكن الخطوة الأهم هي كيف تحول هذه الكلمات إلى تجربة روحية تغير قلبك. فالعبرة ليست بكثرة الكلمات، بل بصدق القلب وحضوره. إليك بعض النصائح لتحقيق ذلك:
- استشعار معاني الذكر: عندما تقول على الصفا والمروة: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ…”، لا تجعلها مجرد كلمات. استشعر معناها العظيم. أنت تعلن براءة من كل شريك يُعبد من دون الله، وتعلن أن الملك كله له، والحمد كله له. وعندما تقول: “أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ”، تذكر نصر الله لنبيه في أصعب الظروف، واستلهم من ذلك اليقين بأن الله ناصرك ومجيب دعائك.
- الدعاء بيقين وإلحاح: لا تدعُ دعاء المجرب أو الشاك، بل ادعُ دعاء الموقن بالإجابة. ألح على الله في دعائك، وكرر طلبك، وأظهر فقرك وحاجتك إليه. تذكر أنك في مكان مبارك وزمان مبارك، وهذه من أعظم أسباب قبول الدعاء.
- ربط الدعاء بالواقع: اجعل دعاءك عمليًا. إذا كنت تدعو بالهداية، فاعزم في قلبك على ترك معصية معينة. إذا كنت تدعو بالرزق، فاعزم على الأخذ بالأسباب المشروعة. هذا الربط يجعل الدعاء ليس مجرد أمنيات، بل خطة عمل روحية.
- التضرع والانكسار: ارفع يديك، وأظهر ضعفك، وذلّك بين يدي ربك. إن الله يحب من عبده أن يأتيه منكسرًا متذللًا. هذا الانكسار هو روح العبادة ومفتاح أبواب السماء.
من كنوز الأدعية القرآنية والنبوية الجامعة التي يُستحب الدعاء بها في السعي
بما أن باب الدعاء مفتوح في السعي، فمن أفضل ما يدعو به المرء هو الأدعية الجامعة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، فهي تجمع خيري الدنيا والآخرة في كلمات قليلة وبليغة. وهذه تعتبر من أفضل ادعية السعي بين الصفا والمروة التي يمكن للمرء أن يلهج بها.
أدعية من القرآن الكريم:
- “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. (دعاء جامع لا مثيل له).
- “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ”. (لطلب الثبات على الحق).
- “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ”. (لصلاح النفس والذرية).
- “رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا”. (لصلاح الأسرة).
أدعية من السنة النبوية:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”. (يجمع أصول السعادة).
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ”. (دعاء عظيم للحفاظ على النعم).
- “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”. (أكثر دعاء كان يدعو به النبي ﷺ).
- “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”. (لطلب العون على الطاعة).
الاستعانة بهذه الأدعية الجامعة، مع الدعاء بحاجاتك الخاصة، هو أفضل طريقة لاستثمار وقتك في السعي.
خلاصة الإجابة: كن حرًا في مناجاة ربك
في نهاية المطاف، فإن الإجابة على سؤال “ماذا يقال في السعي؟” تتلخص في كلمتين: الاتباع والحرية.
- الاتباع: اتبع هدي نبيك ﷺ في الذكر الثابت عند الصفا والمروة، فهذا هو الجزء التوقيفي من العبادة الذي لا مجال للاجتهاد فيه.
- الحرية: استغل المساحة المفتوحة التي منحك إياها الشرع أثناء المشي، وكن حرًا في مناجاة ربك. ناجِه بحاجاتك، بآلامك، بآمالك. تحدث معه كما تتحدث مع أقرب قريب، فهو سبحانه يسمعك ويراك.
إن أفضل ادعية السعي بين الصفا والمروة هي تلك التي تجمع بين السنة الصحيحة والقلب الصادق. فلا تقيد نفسك بما لم يقيده الشرع، واجعل من سعيك رحلة شخصية من الدعاء والذكر والتقرب إلى الله.
المراجع والمصادر
لضمان الدقة والموثوقية في هذا التحقيق الشرعي، تم الاعتماد على المصادر التالية:
- صحيح مسلم: حديث جابر بن عبد الله الطويل في صفة حجة النبي ﷺ.
- مصنف ابن أبي شيبة: باب ما يدعو به الرجل إذا سعى بين الصفا والمروة، وفيه أثر ابن عمر.
- فتاوى نور على الدرب (ابن عثيمين): حكم تخصيص كل شوط من الطواف والسعي بدعاء معين.
- فتاوى اللجنة الدائمة (السعودية): فتوى حول بدعية تخصيص دعاء لكل شوط.
- موقع الإسلام سؤال وجواب: لا يشرع تخصيص كل شوط من السعي بدعاء معين.
